27 يونيو 2008

أغيثوني... إني أغرق

إنها قصة الفتى الذي كان يتسلى بالنداء و الصريخ كاذباً على أهل قريته أغيثوني إني أغرق ، و عند تلبية أهل القرية و تجمعهم لإنقاذه يضحك ساخراً من الحشد بقوله ها ضحكت عليكم و يتكرر ذلك الفعل من ذلك الفتى حتى اعتاد أهل القرية على خداعه و ما عادوا يلبون له نداء و لا يأبهون له بالاً؛ حتى جاء يوماً و استغاث و ما كان له غائثا حتى غرق حقا و فارق الحياة. هكذا انتهت القصة.

هكذا انتهت القصة لكل غافل هالك كذاب و أفاق؛ لكن لمن اهتدى و نجا وكان من الاسوياء لم و لن تنتهي القصة بالنسبة له. هنا تكمن العظة لمن يعقل و يتدبر، و لا يجهل و يعربد. حقاً الصدق منجاة و الكذب هلاك و بوار.

الخطير في الأمر أن كل الكذابين الأفاقين يظنون أنفسهم الحاذقين المحنكين. الحق أنهم هم المغفلون الساذجون. إن أفعى الكذب تسحر من هذيئ نفسه كاذباً و ملتويا حتى تلتف حوله و تعصره عصرة عنده يكون قد فات وقت النجاة و لن تنجيه من كذبه آلاف الأيدي بل ملايينها و الحول دون هلاكه المحتوم.

إن الكذاب يظل يكذب و يكذب حتى يفقد كلامه و موقفه أي وزن أو معيار و لا يبقى منه سوى ظلاً باهتاً كئيب. يظل يمارس الكذب حتى يكذب حتى على نفسه. كذب الانسان على نفسه هو تاج الحماقة في مملكة الكذب الهاوية و هو قمة الهاوية. إذا فرضنا جدلاً ان نسبة هلاك الكذاب هي 99.9%؛ فإن الكاذب على نفسه و المضلل لها بأوهام يتجرعها مما عاهد نفسه على إجترائها على الناس و المحيطين هي 100% محال من نجاة و لا جور من هلاك.

فليهنأ الكاذبون بكذبهم فهم الأشقياء، و ليشقى الصادقون بصدقهم فهم الهانئون.

22 يونيو 2008

هل شهدت زوراً هذا الأسبوع ؟

" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " إنها دعوة شهيرة يطلقها السواد الأعظم من الخطباء من على منابر يوم الجمعة الى جموع المصلين، و لا تكاد تخلو خطبة جمعة من هذه الدعوة. هل حاسبت نفسك يوم الجمعة؟

قضبان الزورهناك العديد من المهالك قد يقع فيها الفرد خلال ايام حياته المعدودة، و التي لا يضع لها أي بال او حساب و التي يعتبرها من الأشياء و التصرفات العادية جداً، بل و على العكس قد يعتبرها من الواجبات و الالتزمات الأخلاقية تجاه من يحيطوا به؛ فيدفع نفسه للقيام بها و يدفع الآخرين حذو حذوه في الإتيان بها أيضاً. من هذه الموبقات و المهالك شهادة الزور، و عليه يجب أن تسأل نفسك كم مرة شهدت فيها زوراً و ذلك بالرغم من تأكيد النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه فيما معناه " ... ألا و شهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ... " و أردف الرواة قائلين و ظل يرددها حتى قلنا يا ليته سكت و كل هذا مع العلم أنه كان صلى الله عليه وسلم متئكاً و اعتدل و هو يرددها.

تكرار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه العبارة و اعتداله و هو يقوله إنما يدل على شأن عظيم و أمر جلل يريد صلى الله عليه وسلم لفت انتباه و اللباب المسلمين له؛ حتى يتيقظوا من الوقوع في هذه الرذيلة المهلكة.

عند هذا الحد قد يحمد الكثير الله على انهم لا يشهدون زوراً و انهم في مأمن من هذا الوبال، معتقدين أن شهادة الزور هي مجرد قول الكذب أمام قاضي في محكمة بعد حلف اليمين او الادعاء الباطل على على أناس آخرين بوقائع لم يقوموا بها، و شبيه ذلك من الأمور. إلى كل هؤلاء، احترسوا كل الاحتراس و تنبهوا و تيقظوا قبل أن تحاسبوا؛ فشهادة الزور التي اعتدل الرسول الأعظم تحذيراً لها و التي ظل مردداً إنذاراًُ و نهياً عنها ليست بمثل تلك البساطة و السطحية فقط.

وقعت في دفتر الحضور و الانصراف نيابة عن زميلك الذي لم يحضر العمل؛ فأنت شاهد زور. سويت فواتير و همية ما انزل الله بها من سلطان؛ فأنت شاهد زور. وقعت على شيء لم يحدث في عملك بمدعاة انها اوراق روتينية و اعمال اعتيادية لاستكمال الشكليات؛ فأنت شاهد زور. سألك رئيسك عن أوضاع العمل و اجبت اجابات منافية للحقيقة؛ فأنت شاهد زور.

ان التوقيع في الأوراق بمثابة نطق اللسان في الكلام؛ فما وقعت عليه يفترض أن يكون قد حدث بالفعل أمامك و انت تعلم علم عين على انه حدث و لذا وقعت.

و الله لن نتقدم أبداً و لن تحل علينا البركات و نحن نزور و ندلس صباح مساء. لن تنهض صناعة فيها تزوير. لن يتطور تعليم فيه تزوير. لن و لن و لن و لن... الخ

عدم البركة هو انعدام قيمة الاشياء فيستوي فيها كبيرها و صغيرها كثيرها و قليلها و هذا هو لب و جوهر الزور و التزوير. ورقة موقعة بمثابة وثيقة يفترض الوثوق بها، تجدها مجرد إجراء روتيني كما يدعون و أنها لا تساوي حتى ثمن الحبر و الورق الذي كتبت عليه. أين تكون القيمة. منتج ما بمواصفات مكتوبة عليه و مدونة و موثقة في اوراق تصنيعه التي هي في الأصل عمل رويتني و مجرد توقيعات صوري (التوقيع الصوري شهادة زرو) ماذا تتوقع منه سوى الخراب و الانفلات و التسيب أثناء تصنيعه.

للأسف لا يشعر بهذا الا من كانوا أكباش الفداء و وقعوا مع الموقعين و تغافلوا مع المغفلين الذين كانت على ايديهم مصائب و خرائب جمة. يدانون و يسجنون و لا يستطيعون الدفع، لأنه ببساطة أليس هذا توقعيك؟!

تذكروا كله تمام ياريس 67.

20 يونيو 2008

إحتكار الطاقة النووية

المعلوم من الحياة بالضرورة هو انها لا تسير بدون طاقة؛ فالطاقة هي القلب النابض لكافة مناحي الحياة و ما يلزم لبقاء و استمرار الجنس البشري على وجه الخصوص و ما يترتب عليه من احتياج لبقية الكائنات الحي منها و الجماد.

إن أي دولة او أي تجمع بشري يمتلك بصيص نور يتطلع به على مستقبله - الذي يفترض أن يكون مستقبل قابل للحياة بكرامة - ينظر إلى عملية توفير مصادر طاقة على أنها من أول و أهم الأولويات التي يجب التركيز و السعي الجاد الحثيث طلباً في تحقيقها؛ حتى تكون تلك المصادر معدة و جاهزة للاستخدام وقت العوز و الاحتياج إليها؛ ضماناً للاستقلالية و الحرية و الرخاء.

هنا تقفز في الواجهة الطاقة النووية و أهمية هذا المصدر الكامن و القابع داخل أنوية الذرات منذ أن خلق الله الكون و ما فيه. تلك الطاقة مارد جبار ينتظر من يسعى إليه و يجتهد في الحصول عليه حتى يتمكن من الارتواء بهذا المصدر الرخيص و المتجدد و الآمن من الطاقة.

قد يعترض البعض على كلمة رخيص و آمن، و لكن في الحقيقة الواقعة ان الطاقة النووية ، و بالرغم من المعوقات التي تضعها القوى الإمبرالية في سبيل حجب هذا الينبوع، فإنها رخيصة إلى حد بعيد. على سبيل المثال، الكيلو وات من الكهرباء الذي تستخدمه في بيتك و الناتج من محطة معتمدة على احتراق الوقود الحفري، إذا ما تتبعت عدد من عملوا حتى يصل إليك فستجد بكل ببساطة انه لو تم استبدال ذلك بمنظومة طاقة نووية، أن هذا العدد قد ينخفض الى أكثر من النصف. أما من ناحية الأمان، فتتجلى بالالتزام بالمعايير و القواعد العلمية الواضحة و الراسخة في التعامل مع الطاقة النووية و أن يكون هذا الالتزام التزام نزيه و صادق و حرفي لأبعد مدى.

إن فرنسا تعتمد على الطاقة النووية بقدر كبير جداُ منذ خمسينيات او ستينيات القرن العشرين و لم نسمع فيها على تشيرنوبل او ما شابه.

إحتكار القوى المهيمنة الكبرى لحق الشعوب في الرفاهية و امتلاك مقدرات نووية، يعتبر من ابشع و أقذر مظاهر المد الاستعماري الإمبريالي على طول مسيرة التاريخ. الحجة أن هذه الدول قد تستخدمها في تطوير سلاح نووي. بأي حق تمتلك تلك الدول السلاح النووي و تحجبه عن الآخرين. حتى إذا كان لهم الحق، فبأي حق يمنعوا هذا المصدر عن الشعوب المحتاجة إليه و يوجهوا اليها كافة سياط الإيذاء و المعاقبة.

الصورة و الجه الحقيقى لهذا الاحتكار هو ضمان التبعية. هذه الكيانات المهيمنة تعمل جاهدة ليل نهار على ضمان تباعية العالم بأسره لسيادتها الباغية و ذلك من خلال التحكم في مصادر أصل حياتها و هي الطاقة.