02 ديسمبر 2009

السطحية و التجريد

السطحية و التجريد مصطلحان قد يكون الحد الفاصل بينهما دقيق و رقيق؛ بحيث قد يشتبه الأمر على بعض ممن يتعاطون معهما، و قد يؤدي هذا الاشتباه إلى التداخل عرضياً في نطاقيهما. بحثت كثيراً على شبكة الويب عن موضوعات مقارنة بين السطحية و التجريد، و لم أستطع أن أجد إلا موضوعات خاصة بالفنون التشكيلية عن التجريد و التسطيح. ما أعنيه هنا هو السطحية و التجريد في التفكير و تناول الأمور المنطقية و المحيطة بنا من قبيل المشكلات الحياتية اليومية أو مظاهر النشاط الاقتصادي و ما شابه ذلك من أمور.

طبقاً لما ورد في القسم العربي من الموسوعة الحرة ويكيبيديا عن التجريد فإنه يمكن تعريفه كما يلي:

مصطلح التجريد يشير إلى عملية عقلية التي من خلالها يتم استبدال مجموعة من الأشياء بشكل ذات مفهوم عام يوصف الأشياء وفقا لخصائصها المشتركة. على سبيل المثال: يمكنك الحصول على مفهوم عام للسيارات على أساس الخصائص المشتركة لجميع السيارات (لديهم أربع عجلات، وعجلة قيادة ... إلخ).

مثالاً على ذلك ما قد ذكرته سابقاً عن كارثة شركات الأدوية في مصر، حيث نظرت إلى سواد مصانعها الأعظم على أنه مجرد شركات تعبئة و تغليف، و هذا قد يتطابق مع تعريف التجريد و المنظور المجرد للأشياء. يبقى السؤال الحائر في ذهني، و هو متى تتحول النظرة المجردة للأشياء او تجريد الأشياء إلى سطحية و قشرية في التعامل معاها أو تقييمها.

لا شك أنه في حالات متعددة يكون التجريد و قدرة النظر إلى الأشياء بمنظور مجرد تكون ذات فائدة و أهمية بالغة؛ لأنها و ببساطة تعطينا القدرة على تحليل المشكلات و إحالتها إلى وحدات أساسية بسيطة يمكن التعامل معها بسهولة أكبر طبقاً لقواعد منطقية أكثر سلاسة. على صعيد آخر، فالسطحية في التفكير تكون دوماً ذات آثار سلبية و قد تبلغ بمن ينتهجها إلى حدود الكارثة؛ حيث أن السطحية، من وجهة نظري، تفقد الأشياء لبها و عناصر أساسية في جوهرها مما يمكن أن يحولها إلى كينونات أخرى غير التي هي عليه في الواقع، و يترتب تعامل خاطئ مع الشيء، فعلى سبيل المثال أن تنظر إلى أفعى كوبرا ممدة في حقل على أنها مجرد حبل قصير و تهم بإمساكها على أساس كونها حبل!

أعتقد أنه إذا تم تطبيق التجريد على الأشياء دون عناية و دقة، فإنه من الوارد و بقدر كبير أن تتحول عملية التجريد تلك إلى الجانب السلبي و أن تدخل في نطاق السطحية.

إن السطحية و التجريد يستخدمان في حياتنا اليومية بشكل دؤوب و مستمر، و قد يكون ذلك الاستخدام في أوجه حيوية و أساسية من حياتنا. عندما يقدم شخص محتال، أو مجموعة من السياسيين، بمحاولة نصب شرك يخدعون به المواطنين في بلد ما أو من خلال أي معاملة أخرى؛ فإن ذلك الشخص أو المجموعة المحتالة تستهدف في المقام الأول أن تدفع الضحية ناحية السطحية في التفكير، و أن تبعد تلك الضحية عن التفكير المجرد الصحيح، الذي و إن توفر لكان صداُ منيعاً أمام حيلهم و ذلك نظراً لبقاء الجوهر مع التجريد في حين اضمحلال ذلك الجوهر مع السطحية. يظهر ذلك في مواقف عديدة أقربها، ما ترافق مع المباراة الفرنسية بين مصر و الجزائر، أو ما يدعيه أحد وكلاء السيارات في مصر مثل رؤوف غبور في سياق مجابهته لحملة خلوها تصدي، أو حتى الحرب الأمريكية على العراق حين تم تسطيح متعمد للقضية على أنها حرب على كيان سياسي يمتلك أسلحة دمار شامل قد تهدد أمريكا و مصالحها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


بحث مخصص