الحرية و التحرر من المعاني الجميلة و لا يشعر بقيمتها إلا من قيدوا بأغلال تحجبها. إن الإغراق في التعريف واجب ضروري عند الحديث عن الحرية، و هنا يبدأ أول قيد، و هو الالتزام بالتعريف و إلا تحول مجرد الحديث عن الحرية بلا تعريف واضح لها مجرد فوضى عبثية لا معنى لها سوى الانحطاط و الانحلال المادي و المعنوي.
يمكنني تعريف الحرية على أنها متلازمة ثالثوية بين إمكانية قيامك بما ترتاح إليه و لا يضرك و لا يضر الآخرين. في ضوء ذلك التعريف يمكننا صياغة منهج متحرر بعيداً عن كل من القيود و الفوضى. دعونا نتناول كل ضلع من أضلاع ثالوث الحرية بقليل من التوضيح، و ذلك فيما يلي:
- ما ترتاح إليه : قد تتفقون معي أن هذا الضلع يمكن اعتباره من البديهيات التي جبل الانسان عليها؛ فكل منا قد يحيط بقدر من المعرفة تكفيه ليعلم أي الأشياء تسعده و أيها تؤلمه وذلك من خلال الحواس و الغرائز، مع الوضع في الاعتبار النسبية في التقييم. على سبيل المثال، الاستلقاء شبه عارياً في الشمس قد يصيبني بحساسية في الجلد و عدم راحة، بينما يستمتع به آخرون و يحرصون عليه. هذا يعني أن ما قد ترتاح إليه؛ قد لا يريح الآخرين.
- لا يضرك : غالباً لا يقوم الفرد بتصرفات تؤدي إلى ضرره، و لكن غالباً أيضاً، إذا كان الضرر مؤجلاً، فقد يقوم الفرد بفعل يضره، و مثال لذلك التدخين، أو أن يكون الضرر المترتب على الفعل مجهولاً لدى الفرد و لا يستطيع ادراك و معرفة جوانب الضرر، و مثال لذلك، الطفل الصغير الذي يمسك نور الشمعة ومن ثم يحرق أصابعه.
- لا يضر الآخرين : هنا غالباً ما قد يمنعك الآخرون من الإتيان بفعل يضرهم من قبلك، و ذلك إما بواسطة الردع و الزجر المباشر، أو من خلال موروث و سلسلة متواصلة من القواعد الاجتماعية المستهجنة لذلك الفعل الضار و التي قد تشعرك بتردد أو خزي من القيام بالفعل. مثال لذلك هو أن تخرج ريح وسط اجتماع بآخرين حيث يمكنك الخروج لإخراجه أو حتى كتمانه.
بناءاً على أضلاع الثالوث السابق، يمكننا استقراء أن مربط الفرص في ذلك الثالوث هو الضلع الثاني - لا يضرك - فمن الطبيعي أن ما يضرك لن ترتاح إليه عند تحكيم العقل و اتباع الفطرة، و أيضاً أن ما يضر الآخرين قد تتفهم ضرره على الآخرين من معرفة ما يضرك.
السؤال، و كيف نعرف ما لا يضرنا؟ الإجابة تتلخص في كلمة واحدة، و هي التعلم. يتعلم الفرد، إما بالتجربة الشخصية، كما في الطفل المسكين الذي استغفل والديه و امسك بنور الشمعة و حرقت أصابعه، و بعدها تعلم أن ذلك الفعل ضرراً، أو إما أن يكون محظوظاً و يمنعه والديه إما ملاطفة أو نهراً عن هذا الفعل، و عندها أيضا يقدر الخطر و لو بشكل غير مباشر.
نستخلص القول، بأنه لا توجد مايسمى الحرية المطلقة، لأنها مرادف معقد من الفوضى؛ كما أن الحرية تحدها معايير نسبية، تنسب لها الأفعال و التصرفات و إمكانية القيام بها، و أن تلك النسبية تنشأ عن التعلم و العلم، و التعلم لابد له من مصادر، و تلك المصادر إما تجريبية أو نقلية، و على كل عاقل اختيار مصادر التعليم المميزة التي لا عوج فيها لكي يستقي منها معلومات قد يصعب تجربتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق